تأجيل زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، رغم غموض الأسباب الحقيقية لهذا التأجيل، يعكس استمرار الخلافات التاريخية بين العراق وسوريا والهواجس التي تحيط بها. هذه الخلافات، التي تستدعي صراعات تاريخية ودينية، لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين في وقت يتطلع فيه العالم إلى المستقبل بعيون الذكاء الاصطناعي وعقلية دولية جديدة.
وبينما تدرك الحكومة العراقية ضرورة بناء علاقات مستدامة مع سوريا، لا سيما في ظل المصالح المشتركة مثل التعاون الأمني على الحدود الطويلة، إلا أن هذه العلاقات تتأثر بالتوترات الطائفية والمواقف السياسية المعقدة التي أعادها ظهور جماعات متطرفة في المنطقة.
ورغم الحاجة الملحة لتعزيز التعاون بين البلدين، فقد أحاطت هذه المحاولات بعدد من التحديات الأمنية والتهديدات السياسية التي كان لها دور في تأجيل الزيارة.
لقد كانت الحكومة العراقية قد أظهرت استعدادها لإقامة علاقات تعاون مع حكومة الرئيس الانتقالي احمد الشرع ، إلا أن هذه الخطوات تواجه مقاومة من بعض الأطراف السياسية الداخلية والخارجية التي تخشى من تداعيات التقارب على مصالحها. تلك القوى ترى أن أي تقارب مع سوريا قد يزيد من تعقيد الوضع الأمني في العراق بدلا من استقراره.
حرب على منصات التواصل
ومنذ سقوط الأسد، شهدت منصات التواصل الاجتماعي معارك متواصلة بين المجاميع المتطرفة في سوريا والعراق، تبادل فيها كلا الطرفين التهديدات والشتائم، واستدعيا من خلالها تاريخ الحرب والصراع الأموي مع الإمام علي. في الوقت الذي كانت الحكومتان العراقية والسورية تتبادلان بحذر إشارات الرغبة في تجاوز الماضي والانطلاق نحو المستقبل، سعت تركيا بشكل خاص إلى دفع الحكومتين نحو إرساء علاقات استراتيجية تتغلب على تاريخ العداء وترسخ التعاون والنماء بينهما.
وفي الواقع، فإن العراق، الذي يستعد لتنظيم مؤتمر القمة العربية في بغداد، قد أعلن بوضوح أنه سيوجه دعوة للرئيس السوري الشرع، كما وجه دعوة لوزير الخارجية السوري اسعد الشيباني. كان من المتوقع أن يبدأ زيارة السبت الى بغداد، إلا أن تأجيلها جاء لعدم وجود مناخ يساعد على عقد اجتماع مثمر. فقد أُطلقت شائعات من منصات كردية سورية تحدثت عن وجود اجتماع مزعوم في النجف للتخطيط لدعم فصائل علوية لمحاربة الأسد، بالإضافة إلى حملة إعلامية أُطلقت من جهات معارضة للتقارب العراقي السوري تتحدث عن إمكانية اغتيال الرئيس أحمد الشرع في بغداد.
رؤية عراقية
وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية وصفت هذه التهديدات بأنها مسيئة لسمعة العراق وعلاقاته بالدول العربية، فإنها جعلت الحكومة السورية تعيد حساباتها وتراجع اندفاعها نحو بغداد. إذ تعكس هذه التهديدات جانبًا من الموقف السياسي العام المعارض للتقارب مع سوريا، ومن المؤكد أن هذه القوى ستعرقل خطة تركيا القائمة على تبني تحالف ثلاثي بين العراق .
وتركيا وسوريا، الذي يسعى لضم سوريا في مشروع “طريق التنمية”. الذي يساعدها على كسب المزيد من الإيرادات من جهة ويخفف من كلفة المشروع على العراق من جهة اخرى، لكنه سيجعل إقليم كردستان خاسرًا من هذا التقارب أيضًا.
وقال وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين “أن المسألة السورية ليست محلية ولا وطنية فحسب، بل هي قضية إقليمية ودولية، ونحن نجري مباحثات مستمرة مع الجانب السوري والجهات المعنية بهذا الشأن”.
واكد في حديث “DW” عربية ان ان ما يحدث في سوريا يؤثر على العراق وان بلده لديه رؤية لسوريا، وهو سيلتقي نظيره السوري في بغداد خلال الايام المقبلة لمناقشة الملفات التي تخص العلاقة بين البلدين.
في الوقت ذاته، فإن الحكومة السورية التي تعيش وضعًا حساسًا بعد سنوات من الحرب، تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع جيرانها في المنطقة لتسريع عملية إعادة الإعمار وفتح قنوات اقتصادية جديدة. ولكن، يبقى التحدي الأكبر هو تجاوز الخلافات السياسية والطائفية التي ما زالت تهيمن على العلاقات بين البلدين.
إنه في ظل هذه الظروف، تظل الفرصة قائمة لتحقيق تقارب حقيقي بين العراق وسوريا، شريطة أن يتم تجاوز الصراعات التاريخية والرهانات السياسية. ولا شك أن تلك العلاقة ستحتاج إلى شجاعة سياسية من الطرفين، وتفهم للمصالح المشتركة التي يمكن أن تُسهم في استقرار المنطقة وتعزيز أمنها.