يتجسد التحالف التركي القطري في العديد من المواقف الإقليمية، حيث يظهر التنسيق الوثيق بين الدوحة وأنقرة في الملفات الكبرى التي تشهدها المنطقة، في وقت تتباين فيه سياسات الدول الأخرى في الخليج العربي والشرق الأوسط. هذا التحالف، الذي يعد واحدًا من أكثر التحالفات قوة واستمرارًا في الفترة الأخيرة، ينبع من توافقات أيديولوجية واستراتيجية بين بلدين لا تجمعهما حدود جغرافية.
الازمة مع السعودية
عندما فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحصار على قطر في منتصف عام 2017، كان التحالف التركي القطري هو الأقوى والأكثر وضوحًا، حيث كانت تركيا من أبرز الداعمين للدوحة على جميع الأصعدة. فبجانب الدعم الدبلوماسي، أرسلت تركيا قوات عسكرية إلى قطر لتأمين حدودها، في خطوة أكدت مدى تماهي موقف أنقرة مع الدوحة في مواجهة الحصار. كان هذا الدعم العسكري بمثابة رد على الشكوك التي ساورت بعض المسؤولين القطريين بشأن احتمال تدخل الرياض بشكل مباشر في السياسة القطرية، بل وربما محاولة تغيير النظام في الدوحة.
التوجه الإخواني
تجسد الخلاف الأيديولوجي بين قطر ودول الخليج الأخرى بشكل خاص في دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين. ففي عام 2013، عندما أطاحت القوات المسلحة المصرية بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، المدعوم من الإخوان، كانت قطر من بين الدول التي استمرت في دعم هذا التيار، على خلاف الإمارات والسعودية اللتين دعمتا بشكل حاسم النظام الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي. على الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية، حافظت قطر على موقفها الداعم للإخوان، سواء في مصر أو في مناطق أخرى من العالم العربي، وهو ما زاد من تصاعد الخلافات مع دول الخليج التي اعتبرت أن هذا الموقف يشكل تهديدًا للاستقرار السياسي في المنطقة.
الموقف من بشار الأسد
من ناحية أخرى، كانت قطر في قلب التباين الإقليمي بشأن الموقف من نظام الرئيس السوري بشار الأسد. فبينما حافظت قطر على موقفها الرافض للأسد ودعمت المعارضة السورية، بما في ذلك الفصائل المسلحة، كانت الإمارات والسعودية تسعيان في خضم السنوات الأخيرة إلى إعادة تأهيل نظام الأسد وإعادة دمجه في النظام العربي، ما يعكس تحولًا في السياسة الخليجية تجاه دمشق.
دعم حماس
على صعيد آخر، يعد الموقف القطري من حركة حماس امتدادًا طبيعيًا لمواقفها الداعمة للتيارات الإسلامية. فقد قدمت قطر دعمًا ماليًا وعسكريًا لحماس منذ سنوات، وهو ما عزز من التعاون بين الدوحة والحركة. في المقابل، يمكن القول أن قطر قد وقعت في مواجهة مع بعض الدول العربية الأخرى، خاصة مصر والسعودية، بشأن هذه القضية، نظرًا لأن كلاً من القاهرة والرياض يعارضان دعم حماس..
الجزيرة واخواتها
لقد لعبت وسائل الإعلام القطرية، ولا سيما قناة الجزيرة، دورًا بارزًا في تعزيز السياسات التركية في المنطقة. على مدار السنوات الماضية، استمرت الجزيرة في شن حملات إعلامية ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في خطوة تضمنت دعمًا غير محدود للمواقف التركية. وفي سياق الحرب السورية، كانت القناة من أبرز المنابر التي ساهمت في نشر السردية التركية حول الثورة السورية ضد نظام الأسد، مما جعلها أحد الأدوات الإعلامية البارزة في تبني المواقف السياسية لأنقرة.
دعم للجولاني
تعتبر قطر من أكبر الداعمين للفصائل المسلحة في سوريا، ولا سيما جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) بقيادة أبو محمد الجولاني الذي ظهر باسم احمد الشرع بعد وصوله الى سدة الحكم .
وقدمت قطر تمويلًا كبيرًا للحملة العسكرية التي نجحت بإسقاط نظام الأسد، إضافة إلى مساعدات تنموية في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والامن.
التحالف التركي القطري
يقوم التحالف التركي القطري على أرضية استراتيجية تختلف عن علاقات قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن تحالفها مع تركيا أصبح أكثر متانة مقارنة بالعلاقات التقليدية مع الرياض وأبوظبي. ولكن، يظل هذا التحالف مرتبطًا بشكل كبير بوجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه في قيادة تركيا، مما يجعل العلاقة بين الدوحة وأنقرة تتسم بدرجة عالية من المرونة والتكيُّف مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
التحديات والآفاق المستقبلية:
لكن، في الوقت الذي يحقق فيه التحالف التركي القطري العديد من النجاحات، يبقى هذا التعاون عرضة لتحديات كبيرة. أولًا، التغيرات السياسية في تركيا بعد أردوغان قد تؤثر على استمرارية هذا التحالف، خاصة إذا حدث تحول جذري في السياسة التركية أو تغيير في أولوياتها الإقليمية. إلى جانب ذلك، تبقى قطر في موقف حساس للغاية من مواقف القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، حيث أنها تسعى لتوازن في علاقاتها مع هذه الدول، في حين أن التحالف التركي القطري قد يضعها في مواجهة بعض القوى الإقليمية الأخرى التي ترى في هذا التحالف تهديدًا لمصالحها