بقلم: حسن الشمري
في أحد المستشفيات الحكومية وسط بغداد، أثار مشهد غريب فضول المراجعين: جهاز تكييف مثبت بإحكام داخل قفص حديدي، وأبوابه مغلقة بقفل متين، وكأنه قطعة أثرية نادرة أو شاهد رئيسي في قضية أمنية حساسة.
قد يظن البعض أن الأمر مزحة، لكن الواقع يؤكد أن الجهاز محجوز بالفعل، ربما خشية تعرضه للسرقة أو العبث، وربما أيضًا لأن تكلفته أصبحت في نظر الإدارة أغلى من تكلفة إصلاح بعض أقسام المستشفى.
هذا المشهد البسيط في ظاهره يحمل في طياته دلالات أعمق، فهو يعكس جانبًا من التحديات التي تواجه مؤسساتنا الصحية.
في بلد يفتخر بقدراته العلمية وكفاءاته الطبية، من المؤسف أن يُضطر القائمون على إدارة المرافق الصحية إلى اتخاذ إجراءات أمنية لحماية أبسط المعدات، بدلاً من تركيز الجهود على تحسين جودة الخدمة أو تطوير البنية التحتية.
من الناحية الأمنية، قد يبدو الإجراء مبرَّرًا، خاصة إذا كانت هناك سوابق لسرقة أو تخريب الأجهزة. فالمستشفيات، شأنها شأن أي مؤسسة عامة، تحتاج إلى حماية ممتلكاتها للحفاظ على المال العام وضمان استمرارية الخدمات. لكن السؤال الأهم: أين يقف المريض في سلّم الأولويات؟ وهل تحظى راحته وعلاجه بنفس مستوى العناية الذي تحظى به هذه الأجهزة؟
لا شك أن توفير بيئة علاجية مريحة يتطلب مزيجًا من الأمن، والنظافة، وتوافر الأجهزة الطبية، إضافة إلى كادر مؤهل قادر على تقديم رعاية إنسانية قبل أن تكون تقنية. إلا أن المشاهد مثل هذا قد تعكس –عن قصد أو غير قصد– رسائل سلبية، أهمها أن الجهاز قد يُعامل بامتيازات أكبر من المريض الذي جاء بحثًا عن العلاج.
إن تطوير النظام الصحي لا يتطلب فقط إجراءات حماية للممتلكات، بل يحتاج إلى استراتيجية شاملة تحصّن ثقة المواطن في مؤسساته. فالمريض، في نهاية الأمر، هو الهدف الأول لأي منشأة صحية، وأي تقصير في خدمته قد ينسف كل جهود التطوير الأخرى.
حتى ذلك الحين، سيظل “التكييف” في هذا المستشفى يعيش تحت الحجز الانفرادي، فيما المرضى ينتظرون بفارغ الصبر الإفراج عن الأمل… وربما عن الهواء البارد أيضًا.
