في إحدى مدارس محافظة ذي قار، وتحديدًا في قلعة سكر، نظمت معلمة احتفالًا خاصًا لطالبة في الصف الثاني الابتدائي تُدعى “طفوف” وهي في الثامنة من عمرها، بعد ارتدائها الحجاب. هذا الحدث لم يكن مجرد احتفال عادي، بل رافقته شهادة شكر لأسرة الطالبة تقديرًا لحسن أخلاقها وتفوقها الدراسي. وتعتبر هذه الأنشطة جزءًا من مسعى مستمر تشترك فيه معلمات الجنوب العراقي، اللواتي يبذلن جهودًا حثيثة لتشجيع الطالبات على ارتداء الحجاب كجزء من ممارسات التعليم اليومية.
تقول إحدى المعلمات، التي رفضت ذكر اسمها، إنهن يقدمّن محاضرات تشجع الطالبات على ارتداء الحجاب، إذ يتم أخذ نسبة الطالبات المحجبات في مدارسهن بعين الاعتبار عند تقييم أداء المعلمات. هذا التوجه يعكس واقعًا اجتماعيًا وثقافيًا يشهد تزايدًا في فرض الحجاب في بعض المدارس الحكومية في الجنوب العراقي، لا سيما في ظل الهيمنة المستمرة للأحزاب الإسلامية التي تسيطر على محافظة ذي قار منذ الإطاحة بنظام صدام حسين. هذه الأحزاب تسعى جادةً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية التي تفرض على الفتيات في سن مبكرة، غالبًا منذ سن الثامنة، ارتداء الحجاب.
وتشير المصادر إلى أن هناك رابطًا غير رسمي بين عدد التلميذات المحجبات وموقع مديرة المدرسة في التقييم السنوي الذي يتم من قبل المشرفين التربويين، حيث يُنظر إلى ارتفاع عدد الطالبات المحجبات كدليل على نجاح المديرة في تطبيق السياسة الدينية التي تشجع على ارتداء الحجاب. وفي الوقت ذاته، يواجه العاملون في المدارس الحكومية ضغوطًا لتوسيع نطاق هذه السياسات على المدارس الخاصة التي لا تفرض الحجاب، حيث تسعى الوزارة إلى إيصال رسائل للمسؤولين عن تلك المدارس بضرورة أن يكون الحجاب جزءًا من معايير التقييم.
من جانبها، تقول الطالبة “شيماء” إنها كانت ترفض ارتداء الحجاب، وكانت تجد طرقًا للتحايل على المديرة والمعلمات لتجنب هذه الضغوط، لكن في النهاية اضطرت إلى ارتدائه لمجرد التخلص من الضغوط الاجتماعية. مع ذلك، أكدت أنها تتخلص من الحجاب بمجرد مغادرتها المدرسة.
في مناطق الجنوب والمناطق المهمشة في بغداد، تشهد الفتيات ضغوطًا شديدة لارتداء الحجاب، وقد رُصدت بعض الحوادث المؤلمة، مثل وفاة فتاة في مدينة الموصل بعد تعرضها لضرب عنيف من مديرة المدرسة بسبب عدم التزامها بالحجاب. على الرغم من هذه الحوادث، لا يمكن تعميم هذا الواقع على جميع المدارس، إذ يختلف الأمر من إدارة إلى أخرى.
وفي المقابل، في المناطق الراقية وسط العاصمة بغداد، تبدو الأمور مختلفة، حيث ترتدي بعض التلميذات الحجاب عن رغبة شخصية دون أي ضغط من المدرسة. وقد نفت إحدى مديرات المدارس هذه الضغوط، وأكدت أن جميع المدارس تؤكد على ضرورة الحشمة في اللباس، بما في ذلك منع المكياج، والملابس الضيقة، والأظافر الطويلة، واللوان الشعر الجريئة مثل الأخضر والبنفسجي. ووصفت بعض الأشكال التي يرتديها بعض الطالبات بأنها “همجية”، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على المظهر اللائق داخل المدرسة.
من جهة أخرى، نفت وزارة التربية العراقية مرارًا وتكرارًا إصدار أي تعليمات أو أوامر رسمية تفرض الحجاب على الطالبات، وأكدت أن أي إجراءات تتعلق بالحشمة في الملابس هي مجرد توجيهات عامة تسعى إلى الحفاظ على بيئة مدرسية محترمة.