يتزايد الجدل في العراق حول مشاريع إنتاج الأدوية، خصوصاً في ظل الظروف الصحية الصعبة التي يعاني منها العديد من المواطنين، وخاصة المصابين بالأمراض السرطانية. وبينما يعتبر البعض بان توطين صناعة الأدوية خطوة استراتيجية اتخذتها الحكومة مؤخراً لمواجهة هذا التحدي، في وقتٍ تعاني فيه البلاد من ارتفاع مستمر في أعداد المصابين بالسرطان، خاصة في المناطق الجنوبية التي تضم حقول النفط، فأن هناك اصوات من داخل البرلمان تعد المصانع دكاكين لاعادة تعليب ادوية غير فعالة تستورد من مناشيء غيرة رصينة وتستغل الدعم لجني الارباح على حساب حياة المواطنين.
وفقاً للإحصاءات الأخيرة من وزارة الصحة العراقية، هناك أكثر من 30 ألف مصاب بالسرطان يتلقون العلاج في المستشفيات الحكومية. وبالرغم من أهمية العلاج، إلا أن الكثير من الحالات يتم اكتشافها متأخراً، مما يزيد من تعقيد الوضع الصحي. وقد أشار المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، إلى أن السرطان يعد من الأسباب الرئيسية للوفاة في العراق، حيث تسجل البلاد أكثر من 80 حالة إصابة بالسرطان لكل 100 ألف شخص سنوياً، وهو المعدل ذاته الذي يشهده الشرق الأوسط.
دعم حكومي
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت عن دعم كبير لمشاريع توطين صناعة الأدوية في عام 2024، حيث تم الإعلان عن البدء في إنشاء 18 مصنعاً دوائياً جديداً، ما يعكس الالتزام الحكومي بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الأدوية. كما تم إقرار تسهيلات كبيرة لدعم الشركات الخاصة التي ترغب في الاستثمار في قطاع صناعة الأدوية، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة في خطوط الإنتاج. ويعد مصنع “سامراء” للصناعات الدوائية من أبرز المصانع الوطنية التي تساهم في توفير الأدوية في البلاد، حيث كانت توفر أكثر من 70% من احتياجات المستشفيات الحكومية قبل عام 2003.
لكن على الرغم من هذه التطورات، فقد أثيرت العديد من الشكوك حول فعالية الأدوية المنتجة محلياً. هناك تقارير تشير إلى أن بعض هذه الأدوية قد تكون مجرد إعادة تغليف لمنتجات مستوردة من دول مثل إيران والهند، وليس تصنيعها في العراق كما يُزعم. هذا الوضع أثار انتقادات من بعض السياسيين والمختصين في البرلمان، حيث أكدت النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف أن العديد من الأدوية المنتجة محلياً لم تثبت فعاليتها في علاج الأمراض السرطانية، وأن بعض الأدوية قد تكون قد تم استيرادها من مصادر غير موثوقة، ثم جرى تعبئتها وبيعها تحت اسم “الأدوية العراقية”.
الصحة تدافع
في مواجهة هذه الانتقادات، تواصل وزارة الصحة الدفاع عن برامج توطين الأدوية، مؤكدة أن الأدوية المنتجة محلياً تتوافق مع المعايير والمواصفات العالمية، وتلبي احتياجات المرضى في ظل ارتفاع أسعار الأدوية المستوردة. كما وصفت الحملة ضد صناعة الأدوية المحلية بأنها محاولة للإساءة إلى الخطوات الحكومية في مجال توفير الأدوية بأسعار مناسبة للمرضى.
بينما تبقى قضية فعالية الأدوية العراقية محل جدل مستمر، يتعين على الحكومة اتخاذ مزيد من الإجراءات لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي، مع التركيز على تعزيز الشفافية ومراقبة الجودة بشكل دقيق، لضمان صحة وسلامة المرضى.