حتى قبل أن يجلس أحمد الشرع في القصر الرئاسي بدمشق، أدرك الدروز، كما العديد من السوريين وخاصة الأقليات، أن لا مستقبل للتعايش مع الجولاني وقواته من “المجاهدين” الذين قدموا من مختلف الدول. وخلال مرحلة جس النبض، بدا المشهد الأمني والسياسي يسير نحو سيطرة جهاديين لم يغيروا أكثر من ملابسهم، وقصّروا لحاهم، واستبدلوا مفرداتهم بمصطلحات كانوا يحاربونها سابقًا.
وبينما كانت فصائل هيئة تحرير الشام تتقدم سريعًا نحو دمشق، عبرت القوات الإسرائيلية حدود 1974، واحتلت القنيطرة، مما جعل قصر الشرع على بعد 20 كم فقط من مرمى نيرانها. وعلى الرغم من أن أحمد الشرع أو الجولاني كانا يعتقدان أن رسائل الغزل بالسلام المأمول تكفي لوقف التقدم الإسرائيلي، إلا أن قواته استمرت في تمشيط حمص والساحل، وممارسة القتل والملاحقة ضد من أسمتهم “فلول النظام”، وخاصة الضباط العسكريين العلويين.
تعاون ضد قسد
دعمت الفصائل السورية مطالب تركيا بنزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وشن ما يسمى بـ “الجيش الوطني السوري” العديد من الهجمات لإجبار قسد على ذلك. ورغم الاجتماعات المتوالية بين قسد والرئيس الشرع، إلا أن تعنت الموقف التركي حال دون الوصول إلى اتفاق كان الأكراد يأملون تحقيقه، إلا أن الشرع رضخ في النهاية للموقف التركي.
وفي السويداء، التي تتنازعها قيادات قديمة وجديدة من صنع هيئة تحرير الشام، بات السكان يدركون صعوبة الاعتماد على الإدارة الجديدة في دمشق. فبينما تشكل الجيش من فصائل مسلحة، طُرحت فكرة دمج مقاتلي قسد والسويداء على شكل أفراد يتوزعون بين الفصائل الموالية لرئيس الإدارة السورية أحمد الشرع.
جاء ذلك بالتوازي مع تصريحات أطلقها شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، عبر فيها لوكالة رويترز عن “استيائه” من التحضيرات المتعلقة بمؤتمر الحوار الوطني، مطالبًا بـ “تدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات” في سوريا.

اسرائيل تحذر
وسط هذه التطورات، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتضع الأمور في مسار جديد. فقد أكد أن قوات الجيش الإسرائيلي ستبقى في جبل الشيخ والمنطقة العازلة إلى أجل غير مسمى، مشددًا على ضرورة حماية البلدات الإسرائيلية ومنع أي تهديدات أمنية. كما طالب بإخلاء كامل للجنوب السوري، بما في ذلك محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، من الفصائل المسلحة، مؤكدًا أن إسرائيل لن تقبل بأي تهديد ضد الطائفة الدرزية في جنوب سوريا.
قبل أن يتحرك رئيس الإدارة أحمد الشرع ويجتمع بوفد درزي، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها شرعت في تنفيذ خطة تتيح للدروز العمل في الجولان الخاضع للسيطرة الإسرائيلية. وفقًا لما نشرته الصحف الإسرائيلية، تتضمن الخطة في مرحلتها الأولى استقدام عشرات العمال السوريين للعمل في قطاعات البناء والزراعة داخل القرى الدرزية بالجولان.
جاءت هذه المبادرة استجابة لطلب قدمه قادة المجالس المحلية الدرزية إلى الجيش الإسرائيلي، لمساعدة أقاربهم في الجانب السوري بعد تدهور الأوضاع هناك عقب سقوط نظام بشار الأسد. وعمل منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، غسان عليان، الذي زار بلدة مجدل شمس الأسبوع الماضي، على متابعة تطورات الخطة وتنفيذها.
في الواقع، لم تكن السويداء “استثناءً”، بل أصبحت نموذجًا لحالة تعيشها معظم المدن السورية، لا سيما الأقليات التي أعلنت عن رغبتها في الخروج من هيمنة إدارة الجولاني.