في الأسبوعين الماضيين، شهد إقليم كردستان تصاعداً حاداً في الاحتجاجات الشعبية، حيث احتشد أكثر من 3000 متظاهر في مدينة السليمانية مطالبين بالعدالة الاجتماعية، محاربة الفساد، وتحقيق المطالب الاقتصادية الأساسية. هذه الاحتجاجات تمحورت حول قضايا مزمنة تتعلق بتأخير الرواتب وانعدام العدالة في توزيعها، بالإضافة إلى مطالبات بإطلاق العلاوات والترقيات التي طال انتظارها. وكان للمتظاهرين دور كبير في التأثير على الساحة السياسية، حيث بدأوا في رفع شعارات تدين استغلال السلطة ورفض السياسات الحكومية.
واحدة من أبرز محطات هذه الاحتجاجات كانت محاولة مجموعة من المتظاهرين اقتحام مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية، حيث قاموا برشق المبنى بالحجارة. وعلى الرغم من هذه الأعمال الاحتجاجية التي لم تخرج عن إطار السلمية، فقد شهدت المنطقة توترات متصاعدة مع تدخل قوات الأمن في مواجهة المتظاهرين.
وفي تطور آخر، حاول المتظاهرون التوجه نحو أربيل للتظاهر أمام مقار حكومة الإقليم وأمام الأمم المتحدة، ولكن السلطات الأمنية في أربيل قد منعتهم من دخول المدينة بالقوة، مما دفع الكثيرين للتجمع في سيطرة ديكله عند مدخل المدينة. ويُذكر أن قوات الأمن كانت منتشرة على الحواجز الأمنية بين السليمانية وأربيل لمنع أي محاولات عبور من جانب المحتجين.
من جانبه، صرح محافظ أربيل، أوميد خوشناو، أن هناك تعليمات صارمة بعدم السماح بمرور أي مظاهرات نحو حدود أربيل، مشيراً إلى وجود إجراءات أمنية مشددة على مداخل المدينة لمنع دخول المتظاهرين من مختلف مدن الإقليم. وفي تعليقٍ على هذا، قالت الناشطة باكيزة حمه أمين إن المعتصمين يطالبون بحقوقهم الأساسية، مثل توطين الرواتب، التي مازالت الحكومة ترفض تطبيقها رغم الوعود المتكررة.
الاحتجاجات الأخيرة أثارت جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية، حيث اعتبر بعض المراقبين أن رفض أربيل استقبال المتظاهرين من السليمانية يمثل رسالة ضمنية بأن المدينة لا يمكن أن تكون عاصمة للإقليم إذا استمرت في تجاهل حقوق المواطنين. وقد أكد المعتصمون أنهم لا يطالبون بمطالب سياسية، بل يركزون على تحسين أوضاعهم الاقتصادية وإصلاح النظام المالي المتدهور.
النائب السابق عادل المانع أشار إلى أن هناك محاولات حثيثة من قبل بعض الأحزاب والمجموعات السياسية لخلط الأوراق، وإلقاء اللوم على حكومة الإقليم دون النظر إلى مسؤوليات الحكومة المركزية في بغداد. وأضاف أن هناك تلاعباً بالمطالب المشروعة للموظفين لتحقيق مكاسب انتخابية، مستشهداً بموقف الحكومة العراقية التي لم تلتزم بأي اتفاق مع إقليم كردستان يتضمن تقديم الموازنة للإقليم مقابل تسليم النفط.
من جهته، رفض عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، علي الفيلي، الاتهامات الموجهة لحكومة أربيل حول قمع الاحتجاجات، مؤكداً أن الديمقراطية في الإقليم قد تحققت بفضل تضحيات الحزب الديمقراطي، وأن أزمة الرواتب ناتجة عن عدم استلام الإقليم موازنته بشكل منتظم من الحكومة الاتحادية. وأشار الفيلي إلى أن ما يحدث في الإقليم لا يعدو أن يكون محاولات لاستغلال معاناة المواطنين لأغراض سياسية وانتخابية.
وفي خضم هذه الأوضاع، صرحت وزارة داخلية كردستان العراق أن بعض الجهات، سواء داخل الإقليم أو خارجه، تحاول استغلال الاحتجاجات لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الإقليم. وأكدت الوزارة أنها ستواصل دعم الحقوق المشروعة للمواطنين ولكن في إطار القانون.
الاحتجاجات والاتهامات المتبادلة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم:
تتبادل القوى السياسية في العراق، بما في ذلك حكومة الإقليم وحكومة بغداد، الاتهامات بشأن مسؤولية تأخير الرواتب. ففي حين يتهم البعض الحكومة المركزية بأنها لم تفِ بالتزاماتها تجاه إقليم كردستان فيما يتعلق بتسليم الموازنة، يرى آخرون أن حكومة الإقليم تتحمل المسؤولية بسبب عدم التنسيق الكافي مع الحكومة الاتحادية.
وتعكس هذه التظاهرات والصراعات السياسية بين الأطراف المتعددة الوضع المعقد في إقليم كردستان العراق، حيث يعاني المواطنون من تبعات أزمة اقتصادية مستمرة لسنوات، مع تصاعد القلق بشأن قدرة الحكومة على حل هذه الأزمة بشكل نهائي.