تفاجأت السعودية بسقوط نظام بشار الأسد، ففي وقت كانت تسعى فيه لتأهيله وضمّه إلى الإجماع العربي مقابل الابتعاد عن المحور الايراني ، نجحت الفصائل السورية المسلحة بقيادة الجولاني او احمد الشرع الوصول الى القصر الرئاسي في دمشق وتسلم السلطة في سوريا، توقّع كثيرون أن تتخذ السعودية موقفًا حاسمًا تجاهه قد يكون أشدّ من موقفها من وصول الإخوان إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية. لكن السعودية أظهرت موقفًا إيجابيًا، رغم التحفظ والحذر الذي ميز تعاملها مع الوضع. فما هي الأسباب وراء هذه السياسة السعودية المتوازنة؟
لقد شكلت إيران، على مدار عقود، مصدر قلق كبير للسعودية، حيث كان نفوذها في المنطقة يشكل ارقا للسعوديين . وقد تصاعد هذا الخلاف بشكل أكبر خلال الحرب في اليمن، حيث دعمت إيران الحوثيين بالأسلحة التي استهدفت العمق السعودي، مما شكّل تهديدًا حقيقيًا للأهداف الاقتصادية الحيوية في المملكة. ما دفع السعودية إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا في علاقتها بايران .
وعلى الرغم من أن تركيا هي من ستمسك بالزمام في سوريا استراتيجيًا، فإن السعوديين يأملون في إضعاف النفوذ التركي في سوريا أو منافستها بشكل غير مباشر، مع الرهان على إمكانية تشكيل حكومة سورية تضم كافة المكونات السورية. ولكن هذا التوجه لا يزال غير واضح المعالم في الوقت الراهن.
في الواقع، يظهر السعوديون إيجابيين في تعاملهم مع الوضع السوري، لكنهم يبقون حذرين. فهم لم يقدموا دعمًا قويًا للجولاني بما يعزز من سيطرته على السلطة. وفي هذا السياق، جاء الاجتماع الذي عُقد في الرياض، والذي جمع ممثلين عن دول عربية والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى وزير خارجية الحكومة السورية المؤقتة أسعد الشيباني. ورغم تصريحات المؤتمر التي أكدت على رفع العقوبات عن سوريا وأهمية استقلالها وعدم التدخل في شؤونها، إلا أن النتائج لم تكن تتناغم بشكل كامل مع هذه الشعارات. فقد أكد المؤتمر على ضرورة مشاركة كافة المكونات السورية في الحكومة، وهو أمر من شأنه أن يحدّ من أية هيمنة تركية منفردة على القرار السوري، خصوصًا مع وجود حضور سعودي قوي، يتماهى في كثير من جوانبه مع المواقف الأوروبية من التغيير في سوريا.
من جهة أخرى، سمح الخروج الإيراني من بعض الساحات، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي تكبّدها حزب الله في الحرب السورية، بعودة السعودية كلاعب رئيسي في لبنان. حيث تعمل المملكة مع شركائها على تقليص قدرة حزب الله في التأثير على القرار اللبناني، وهو ما يعزز من موقعها في مواجهة النفوذ الإيراني في لبنان. ورغم أن الخلافات مع تركيا لا تزال موجودة، إلا أن السعودية ترى في الوضع اللبناني فرصة للتحكم أكثر في توجيه القرار السياسي في البلاد، بما يساهم في الحد من التأثير الإيراني هناك. حمزة الرفاعي
بشكل عام، يبدو أن السعودية قد تمكنت من التخلص من جزء كبير من ضغوط التوسع الإيراني في المنطقة، وأصبحت في وضع يمكنها من إعادة تشكيل مواقفها وتحالفاتها في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.