بينما يكتسب أحمد الشرع مزيدًا من الدعم الدولي والعربي، خاصة من قطر والسعودية، يواجه العراق موقفًا معقدًا وحساسًا من حكومة الشرع في سوريا الجديدة. إذ تظل مواقفه غير حاسمة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع سوريا في ظل الأوضاع السياسية المتغيرة. على الرغم من أن الشرع يحظى بتأييد عالمي وإقليمي، فإن العراق يظل في حالة من الحذر والترقب، فيما لا يزال موقفه غامضًا تجاهه، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بقادة سوريين مطلوبين للقضاء العراقي بتهم إرهابية.
مأزق العراق والضغط الدولي
يتجه العراق نحو اتخاذ موقف حاسم تجاه حكومة الشرع، خاصة مع اقتراب القمة العربية المقررة في بغداد ايار المقبل. ويُعتبر العراق من أكثر الدول ارتباطًا بسوريا في مجال الأمن والاستقرار الإقليمي، إذ تعد سوريا جزءًا حيويًا من استراتيجية العراق الأمنية. أي تدهور في العلاقات بين البلدين سينعكس سلبًا على استقرار المنطقة بشكل عام، وهو ما يدفع العراق إلى التفكير في كيفية التوازن بين التزاماته الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، فإن العراق يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية. على الصعيد الداخلي، ما زال هناك قلق بشأن الشخصيات التي قاتلت العراق في الماضي تحت شعارات طائفية وتورطت في قضايا إرهابية. ولذلك، هناك تخوف لدى بعض القيادات العراقية من تقارب الحكومة العراقية مع شخصيات كانت مرتبطة بتلك الحركات.
توجهات القوى السياسية في العراق
لم يصدر أي رد فعل رسمي حتى الآن من الحكومة العراقية بعد إعلان الفصائل المسلحة في سوريا تنصيب أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا. بينما رحب بعض الأطراف السنية، مثل هيئة علماء المسلمين، بتعيين الشرع، ظهر على السطح اعتراض قوي من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أحد أبرز قادة “الإطار التنسيقي” الشيعي، الذي عبر عن قلقه من وصول عناصر كانت في سجون العراق إلى السلطة في سوريا، محذرًا من التعامل معهم بسبب المخاوف من التهديدات الطائفية.
في تصريحات للنائب في البرلمان العراق كامل العكيلي ل” المراقبون” ، أكد على أن الجماعات التي وصلت إلى الحكم في سوريا كانت جزءًا من العمليات الإرهابية التي استهدفت العراق في السنوات السابقة، مما يجعل التواصل معها أمرًا محاطًا بالكثير من الشكوك. وقد أشار إلى أن الخطاب الطائفي في سوريا ارتفع بشكل ملحوظ منذ تولي هذه الشخصيات السلطة، وهو ما يعكس كيف تنظر هذه العناصر إلى العراق.
قمة بغداد
مع اقتراب موعد القمة العربية في بغداد، بدأت التوقعات تتزايد حول الموقف العراقي من دعوة أحمد الشرع لحضور القمة. وفقًا للمحللين، فإن الخيارات أمام العراق بدأت تضيق، حيث أن الولايات المتحدة والدول الغربية تعاملت مع وصول الشرع إلى السلطة كأمر واقع، وأظهرت دعمًا كبيرًا له. بالإضافة إلى ذلك، رحب العديد من الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج، بتعيين الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية، مما قد يدفع العراق إلى مواجهة ضغوط كبيرة لدعوة الشرع إلى بغداد.
وفي تصريحات لوزارة الخارجية العراقية، أكدت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان أن الشرع يحظى بدعم إقليمي وعربي ودولي واسع، مما يضع الحكومة العراقية أمام خيارين صعبين: إما التمسك بموقفها بعدم دعوة الشرع أو الانصياع للضغوط العربية والدولية ودعوته لحضور القمة، مما يعني إغلاق ملفه الأمني بشكل نهائي.
المعارضة الداخلية والقلق الأمني
على الرغم من الضغوط الخارجية، تواجه الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني معارضة شديدة من “الإطار التنسيقي” الشيعي. إذ يرفض هذا الإطار الدعوة للشرع، محذرًا من التعامل مع الضغوط العربية، حيث أن العديد من الشخصيات التي دعمت الشرع في حكم سوريا ما زالت على ارتباط بقضايا إرهابية في العراق.
وفيما يتعلق بالملف الأمني، أكدت وزارة الداخلية العراقية أن الشرع ما يزال مطلوبًا للقضاء العراقي بسبب قضايا إرهابية، وأن أي دخول رسمي له إلى العراق يتطلب قرارًا سياسيًا لإغلاق ملفه الأمني. يذكر أن زيارة كانت مخططًا لها لوزير خارجية الحكومة السورية، أسعد الشيباني، واجهت عرقلة بسبب هذه المسائل الأمنية.
تأثيرات استراتيجية
وفي هذا السياق، لا يعني عدم التهنئة من العراق للشرع بأي حال من الأحوال ان العراق حسم موقفه بقطيعة دبلوماسية مع دمشق، حيث تظل العلاقات مستمرة، خاصة في الجانب الأمني لتأمين الحدود ومنع انتشار أي تهديدات إرهابية. القيادي في الإطار التنسيقي محمود الحياني أكد أنه لا يوجد اعتراض على تغيير النظام السوري بحد ذاته، ولكن توجد ملاحظات على بعض الشخصيات في الحكومة السورية الجديدة التي لها تاريخ مع الإرهاب ضد العراق. وعلى اية حال فأن العراق يحتاج إلى اتخاذ قرار استراتيجي حاسم ليخرج من “المنطقة الرمادية” ويحدد موقفه بشكل واضح تجاه الحكومة السورية الجديدة. استقرار العراق وأمنه السياسي مرتبطان بشكل وثيق بما يحدث في سوريا، ولذلك فإن أي خطوة يجب أن تكون مدروسة بعناية لتحقيق مصلحة العراق على المدى الطويل