توعد زعيم الاداراة السورية، أحمد الشرع المعروف بـ “الجولاني”، بـ”محاسبة من وصفهم ب”المجرمين والقتلةمن ضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري”، في تصريحات جرت في سياق تزايد الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرة فصائله. لكن في المقابل، تواصل مجموعات مسلحة تابعة له، خاصة الأجنبية، تنفيذ عمليات إعدام جماعي وتنفيذ تنكيلات بمواطنين ينتمون إلى الطائفة العلوية بشكل خاص. في هذا السياق، تقول حكومة “الإنقاذ” التابعة له إن هذه العمليات هي جزء من ملاحقة من تصفهم بـ”المتورطين في تعذيب الشعب السوري”، ما يضع جميع ضباط الجيش السوري، خاصة قادته، في موضع اتهام بارتكاب جرائم حرب.
ورغم تصريحات إدارة الشرع حول إصدار أسماء “المتورطين في تعذيب الشعب السوري”وطبيعة التهم الموجهة لهم ، لم تُصدر أي قائمة رسمية، ما جعل باب الانتقام والتصفيات متاحًا لعناصرها بناء على معلومات تركّز على أسس طائفية. فقد تبين أن معظم الذين تعرضوا للتصفية أو الاعتقال ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى مصداقية هذه الادعاءات. بينما أكد الجولاني في بيان له على عدم “التسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري”، يتساءل مراقبون بمرارة وسخرية: “هل كانت أيدي الشرع وفصائله المتعددة الجنسيات ملطخة بالدم السوري؟ ومن سيحاسبهم؟”
جرائم هيئة تحرير الشام
تتواصل عمليات القتل والتغييب لشخصيات أكاديمية وعلمية وعسكرية، وبشكل خاص لأولئك المنتمين إلى الطائفة العلوية، في وقت تتداول فيه تقارير حقوقية تؤكد أن هذه العمليات تتم بناء على دوافع طائفية. في هذا الإطار، يتداول الناشطون مقاطع لجرائم ارتكبتها الفصائل التابعة لأحمد الشرع، وبينهم أعضاء من حكومته، بما فيهم وزير العدل الذي كان يشارك بشكل فعال في تلك العمليات الإجرامية.
ومنذ أوائل شهر كانون الأول 2024، جرى تداول مقطعين من فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تركزت بشكل خاص على عمليات إعدام نفذها وزير العدل في حكومة الإدارة الانتقالية، شادي الويسي. في هذه المقاطع، يظهر الويسي وهو يعد مسرح عمليات إعدام علنية في محافظة إدلب، حيث كان يشرف على تنفيذ عمليات الإعدام مع عناصر من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة).
في أحد الفيديوهات، تظهر امرأة جاثية على ركبتيها ويحيط بها مسلحون ملثمون من عناصر هيئة تحرير الشام، قبل أن يتم إطلاق النار عليها. في مقطع آخر، تظهر امرأة ترتدي “تشادورًا أسود” وسترة حمراء، متهمةً بالدعارة، حيث كانت تناشد المقاتلين السماح لها برؤية طفلها للمرة الأخيرة. وبعد رفضهم، تم إعدامها أمام الكاميرا.
الاعتماد على المقاتلين الأجانب
وبموازاة هذه الفيديوهات، تظهر فديوات اخرى تورط عناصر غير سورية، من بينهم مقاتلون من دول مثل الصين (الإيغور)، طاجيكستان، الشيشان، وألبانيا، وهي مجموعات تركز بشكل خاص على استهداف العلويين في مناطق حمص وطرطوس واللاذقية. هذه الجماعات المتعددة الجنسيات، التي تنتمي ل “هيئة تحرير الشام”، تنفذ عمليات قتل وتنكيل ضد المدنيين، مما يعزز الاتهامات بوجود دوافع طائفية وراء هذه الجرائم.
وقد أظهرت هذه المقاطع الوحشية التي نفذتها عناصر ” هيئة تحرير الشام” التي باتت تقوم مقام الجيش السوري حاليا، والتي يتم تداولها بشكل مستمر على منصات التواصل الاجتماعي، استراتيجية لزرع الرعب في صفوف أعداء التنظيم، إذ كانت الهيئة تسجل وتعلن جرائمها في أوقات سابقة خلال عمليات جهادية ضد الجيش السوري والمدنيين الذين لا يلتزمون بشريعتها.
تساؤلات للمجتمع الدولي
من الغريب أن يسمح المجتمع الدولي لفصيل تتلطخ يديه بدماء السوريين، والذي يضم عناصر غير سورية، بمحاسبة العسكريين السوريين واتهامهم بارتكاب جرائم حرب على أساس تورطهم في قتل أفراد من فصيل كان يحارب حكومة شرعية. هذا يثير تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذه الفصائل في سياق العدالة الدولية، خاصة مع غياب محاسبة فعّالة لجرائمهم الوحشية.
إن الأحداث الميدانية الحالية في سوريا تكشف عن معركة شرسة ليس فقط بين الأطراف السياسية والعسكرية، ولكن أيضًا في ساحة العدالة، حيث تتزايد الانتهاكات وتتصاعد المخاوف من استمرار معاناة الشعب السوري، دون أن يُحاسب أحد على تلك الجرائم. وبينما يستمر العنف في كل زاوية، يبقى السؤال مطروحًا: من سيحاكم أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين؟
أميمة الحسن