وكالات – مراقبون
في تحول متصاعد بخارطة الصراع الإقليمي، أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن تصديها لهجمات جوية إسرائيلية عبر منظومات دفاع جوي محلية الصنع، مستخدمة صواريخ أرض-جو، في مشهد يكشف عن تعقيد المعركة واتساع رقعتها الجغرافية.
ووفقاً لتصريحات المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، فإن الدفاعات الجوية تمكنت من “إجبار جزء كبير من تشكيلات الطائرات الإسرائيلية على المغادرة”، ما عدّه المراقبون رسالة واضحة على قدرة الجماعة على تشويش هيمنة إسرائيل الجوية. وأكد سريع أن دعمهم لغزة “سيستمر بوتيرة عالية”، معتبرًا التصعيد الإسرائيلي “اعتداءً مباشراً على اليمن وسيادة الأمة الإسلامية”.
تهديد استراتيجي جديد
ما كان يُعد قبل سنوات جبهة بعيدة، أصبح اليوم تهديداً مباشراً على الأمن القومي الإسرائيلي. فالهجمات الحوثية – التي باتت أكثر دقة وتنسيقاً – نجحت في ضرب أهداف حيوية داخل العمق الإسرائيلي، أبرزها هجوم في تموز/يوليو 2024 بطائرة مسيّرة على تل أبيب أسفر عن مقتل شخص، وصاروخ سقط قرب مطار بن غوريون في أيار/مايو، تسبّب بشلل جزئي في حركة الطيران.
هذه الضربات تسببت بقلق بالغ داخل الأوساط السياسية والعسكرية في تل أبيب، وسط تساؤلات عن جدوى القبة الحديدية وتكامل المنظومات الدفاعية المتعددة في وجه صواريخ الحوثيين ومسيراتهم.
وبحسب صحيفة هآرتس، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن “الخيار الأكثر واقعية لوقف الهجمات من اليمن هو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة”، إذ بات من الواضح أن التصعيد في الجنوب اليمني مرتبط بشكل وثيق بالمواجهات في القطاع.
بين الاجتثاث والتفاوض
الربط بين الحوثيين وحماس في الخطاب السياسي الإسرائيلي ليس جديداً. فإسرائيل لطالما اعتبرت أن حماس تستمد قوتها من شبكة دعم إقليمية تشمل اليمن ولبنان والعراق. ولهذا ترى تل أبيب أن احتواء أحد هذه الأذرع يتطلب كبح بقيتها، ولو عبر المواجهة المفتوحة.
لكن تجربة إسرائيل في “اجتثاث” حماس تؤكد فشل هذا الخيار . فرغم الحروب المتكررة (2014، 2021، وأخيراً 2023–2024)، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على بنية الحركة أو إضعاف شعبيتها في غزة، بل زادت الضربات في بعض الأحيان من تماسكها داخلياً. ورغم استخدامها أقصى درجات العنف في الحرب الأخيرة، التي خلفت دماراً غير مسبوق في غزة، فإنها لم تحصل سوى على اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، رعته قطر، يبدأ بالإفراج عن رهائن مقابل معتقلين.
خيارات إسرائيلية محدودة
تشير التقديرات داخل إسرائيل إلى أن استمرار التصعيد العسكري ضد الحوثيين سيقود إلى استنزاف غير متكافئ، خاصة أن الجبهة الجنوبية ليست وحدها المشتعلة، بل إن التهديدات من لبنان (حزب الله) وغرب العراق (فصائل مقاومة) تفرض تحدياً متعدد الجبهات.
أمام هذا الواقع، يبحث الاسرائيلون عن مخرج سياسي، ربما عبر تفاهم غير مباشر مع إيران، أو بدعم من دول مثل سلطنة عمان وقطر. هذا ما ألمحت إليه صحيفة “هآرتس” حين أشارت إلى أن “السيناريو الأقرب هو التفاهم مع حماس أو طهران، لوقف النار من اليمن
ما يجري ليس مجرد تصعيد عابر، بل تحوّل استراتيجي في طبيعة الصراع. فالحوثيون باتوا لاعباً إقليمياً فاعلاً، لا سيما مع قدرتهم على تهديد منشآت حيوية في إسرائيل من آلاف الكيلومترات. وفي ظل تراجع فعالية الردع الإسرائيلي، تبدو الحاجة إلى تسوية شاملة أو تفاهمات إقليمية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
لكن في حال استمرت إسرائيل في سياسة “الضربات الموضعية” دون مسار سياسي واضح، فإن التصعيد مرشح لأن يتحول إلى مواجهة واسعة، لا أحد يستطيع التنبؤ بحدودها أو نتائجها.