مع الاقتراب من تشكيل حكومة لبنانية جديدة قطباها رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي يعد أحد أبرز السياسيين الذين تحدوا الحزب وواجهه على مختلف الأصعدة، ورئيس الحكومة نواف سلام، الذي يعد من أبرز خصوم حزب الله، وهو ما يمثل تحولًا درامتيكيا في ميزان القوى في لبنان، دفعت بحزب الله بعيدا عن التأثير المعتاد في مثل هذه العملية.
عون وسلام، بصفتهما خصمين لدودين لحزب الله، يمثلان اتجاهًا سياسيًا مختلفًا عن الحزب وحلفائه. ولطالما كان عون يرفض امتلاك حزب الله للسلاح، وعلى ذات المنوال ينظر سلام ان سيادة لبنان تبدأ من الابتعاد عن الهيمنة الإيرانية وأذرعها العسكرية مثل حزب الله.
المعادلة الجديدة
إن صعود القوى السياسية المناهضة لحزب الله، مثل تيار المستقبل والتيار الوطني الحر والقوى الأخرى، جاء بعد خسائر باهظة تكبدها حزب الله وقاعدته الاجتماعية والسياسية والعسكرية بعد حرب مدمرة مع اسرائيل ، وخسارته لقيادته التاريخيه وابرزها السيد حسن نصرالله الذي ارتبط اسمه بسجلات الانتصارات التي حققها الحزب في مواجهته لاسرائيل ، لكن ما حدث بعد الحرب قد يدفع البعض للتساؤل: هل باتت القوى المنائة لحزب الله تطمع باخراجه من المعادلة اللبنانية؟ وهل سيكون الحزب قادرًا على التكيف مع المرحلة الجديدة التي تفتقر فيها الحكومة إلى تأثيره المباشر؟
في قلب الأزمة
لطالما شكل حزب الله قوة سياسية وعسكرية فاعلة في لبنان، واحتل موقعًا قويًا في الحكومة وفي مجلس النواب اللبناني. ولعب الحزب دورًا كبيرًا في معركة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما عزز مكانته في الساحة اللبنانية والعربية. لكن الحزب لم يقتصر دوره على مقاومة الاحتلال، فقد توسع نفوذه ليشمل العديد من الملفات السياسية والاقتصادية في لبنان، عبر تحالفات مع قوى لبنانية أخرى ، فضلا عن كونه جزء من معادلة اقليمية ارتبط فيها بمحور المقاومة الذي ضمن له مكانة استراتيجية تأثرت بعد الحرب وبعد سقوط نظام بشار الاسد.
كان الحزب يعتمد على الدعم الإيراني الذي كان يتجسد في تقديم المساعدات العسكرية والمالية، وقد دفع نفوذه الى انسحاب دول الخليج من لبنان ووقف دعمها له ، لكن تلك القوى تعود اليوم بقوة الى الحدث اللبناني وتمل كل ما بوسعها على تقليل تأثيره في المعادلة الجديدة التي تستبدل فيها لبنان دول الخليج بايران، وقد بدأت القوى المناهضة للحزب وايران بكسب ثمار اسقاط المعارضة المسلحة لنظام بشار الاسد في سوريا وتراجع دور ايران في المنطقة بفعل تغييرات جيوسياسية فرضها الواقع الجديد في المنطقة.
احد الأحداث الكبرى التي طرأت على لبنان كانت خسارة إيران وحزب الله حليفهما الأسد، وتداعيات ذلك على الحزب ومحاولة القوى المناوئة عن ابعاده عن اية وزارة يستحقها وفق مبدأ التوازن الذي تجري فيه عمليات تشكيل الحكومات اللبنانية. وقد جاء انهيار الوضع في سوريا مع سقوط نظام الأسد الذي عمل على تقديم الدعم العسكري والسياسي لحزب الله في لبنان، ليشكل ضربة قاسية لمكانة الحزب في الداخل اللبناني. مع تراجع الحضور الإيراني في سوريا وداخل لبنان، بدأ حزب الله يواجه تحديات جديدة في تحقيق توازن القوى مع القوى اللبنانية الأخرى التي تعمل على استثمار الظروف التي يمر بها الحزب لتحقيق المزيد من المكاسب على حسابه والتي تعززت مطامحها بصعود الشرع والفصائل المسلحة الى سدة الحكم في سوريا..
مغامرة خطيرة وفي الوقت، الذي تزداد الضغوط الدولية والإقليمية على الحزب، حيث كانت تستمر المحاولات من قبل القوى الغربية والعربية لعزله. فأن هناك حالة من الانقسام الداخلي بين قوى لبنان السياسية حول دور حزب الله، مما أدى إلى تصاعد القلق داخل لبنان من تأثير عزل حزب الله واستثمار خساراته في الحرب على مستقبل البلاد.
لكن آخرين يرون أن حزب الله لا يزال يمتلك قدرة تأثير في لبنان عبر مجلس النواب والجماعات الحليفة التي يمكن أن تضمن له تمثيلًا سياسيًا مستمرًا في العملية التشريعي
ويظل السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين هو: هل لبنان قادر على النهوض والانتقال إلى مرحلة جديدة من التنمية والازدهار السياسي والاجتماعي دون دور بارز لحزب الله؟ في ظل الحروب والصراعات التي مر بها لبنان، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور، فإن الطريق إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي يبقى محفوفًا بالتحديات. ومع غياب حزب الله من الحكومة، قد يرى البعض أن لبنان وحكومته يقدمون على لعبة سياسية بعزل حزب كبير يمثل مكونا رئيسيا في لبنان.
وان الجائزة التي تنتظرها حكومة سلام من الدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي، قد لا توازي خسارة حزب يمثل مكونا اساسيا لا يمكن اقتلاعه من لبنان .
وعلى اية حال فأن لبنان اليوم يقف على عتبة مرحلة جديدة من تطور الحياة السياسية والاقتصادية. مع إضعاف تأثير حزب الله في الحكومة اللبنانية، وتنامي القوى السياسية المناهضة له، . ومع ذلك، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل سيكون بإمكان لبنان أن يحقق هذا التحول في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها؟ وهل سينجح في ارضاء الخليج واميركا ولو على حساب شريك اساسي.
