رولا محمود
بعد سقوط نظام بشار الأسد، دخلت الطائفة العلوية في مرحلة جديدة من التحديات التي ألقت بها في دائرة الانتقام والتخوف من ردود فعل قد تكون عنيفة كون رئيس النظام السابق بشار الاسد ينتمي الى هذه الطائفة .
ورغم البيان الذي أصدرته بعض القيادات العلوية في سوريا لتأييد “الثورة” وإعلان دعمهم للإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، إلا أن هذا لم يحل دون وقوع العديد من الجرائم بحق أبناء الطائفة العلوية. ومن جهة أخرى، حذرت عدة منظمات دولية ابرزها المرصد السوري لحقوق الانسان من استهداف ممنهج للعلويين، مؤكدة على تصاعد الهجمات عليهم.
وتم تداول فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر عمليات اعتقال وتكبيل لبعض الأفراد العلويين من قبل مجموعات مسلحة تنتمي إلى هيئة تحرير الشام، وهي مجموعة متشددة يقودها أبو محمد الجولاني. وقد أظهرت هذه الفيديوهات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما دفع الحكومة المؤقتة في المناطق المحررة إلى محاولة التخفيف من حدة هذه التصرفات، من خلال تصنيفها على أنها “تصرفات فردية”. ولكن هذا التوصيف لم يخفف من مخاوف الطائفة العلوية، بل على العكس زاد من حالة الرعب التي اجتاحت العديد من الأسر العلوية، مما دفع الآلاف منهم إلى الهجرة وترك سوريا بحثًا عن ملاذ آمن.
تظاهرات
حملات الاعتقال والاعتداءات: لقد ارتفعت وتيرة التظاهرات في العديد من المناطق العلوية، بعد تصاعد الاعتداءات التي طالت أبناء الطائفة، بما في ذلك حادثة حرق مقام للطائفة في حلب. هذا الاعتداء شكل نقطة تحول في فهم الطائفة العلوية لما يجري في سوريا، وزاد من مشاعر التوتر والخوف داخل المجتمع العلوي. كما ظهرت بشكل متكرر تصريحات طائفية تهدد بالانتقام من العلويين في عدة مناطق سورية.
إحدى أكثر الحوادث التي أثارت القلق كانت حينما قامت مجموعة مسلحة تتبع هيئة تحرير الشام، ويُعتقد أن عناصرها من الأوزبك، بقتل ثلاثة مزارعين علوين قرب مدينة جبلة الساحلية، مما أدى إلى حالة من الغضب والاحتقان بين أبناء الطائفة في المدينة والمناطق المجاورة. وقد شارك الآلاف في تشييع الضحايا، مما يعكس عمق الصدمة التي أصابت المجتمع العلوي بسبب هذه الجريمة.
الاعتقالات والمداهمات
في ذات السياق، تعرضت العديد من المدن التي تسكنها غالبية علوية لحملات اعتقال واسعة النطاق، شملت الآلاف من المدنيين. وتراوحت أسباب هذه الاعتقالات بين التصفيات السياسية والأمنية، إلى جانب اتهامات بعلاقة هؤلاء المعتقلين بنظام الأسد السابق.
الباحث السياسي محمد الهويدي أشار إلى أن “مصير الطائفة العلوية” سيكون مرتبطًا بموقف الإدارة الجديدة. وأضاف أن هناك خطابًا طائفيًا متصاعدًا يهدد بالانتقام من العلويين، وهو ما يراه “استفزازًا طائفيًا ممنهجًا”. الهويدي وصف هذه الأفعال بأنها لا يمكن اعتبارها تصرفات فردية، بل هي جزء من حملة أوسع قد تكون مدعومة أو متساهلة من قبل بعض الجهات في الإدارة الانتقالية، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية لوقف هذه العمليات.
فلول النظام
الصحفي المقرب من الحكومة المؤقتة عبد الله ناصر أكد أن ما يجري في بعض المناطق هو جزء من حملة تستهدف فلول النظام السوري وعناصره التي تحاول التسلل عبر الحدود أو التواجد في المناطق المحررة. وأوضح أن العمليات التي يتم تنفيذها هي جزء من عمليات تمشيط ضد هذه العناصر، ولا تستهدف بشكل مباشر الطائفة العلوية ككل، بل بعض أفرادها المرتبطين بالنظام.
ويرفض الباحث السياسي محمد الادعاءات بان حملات التفتيش والاعتقال تلاحق فلول النظام وطرح تساؤلًا مهمًا “هل كل من يعمل مع النظام هو بالضرورة فلول للنظام؟” مؤكداً أن السوريين، في غالبيتهم، كانوا جزءًا من النظام بأي شكل من الأشكال، وبالتالي لا يمكن تصنيف جميع العلويين أو من تعاملوا مع النظام في نفس الإطار، بل إن هذه الحملة قد تؤدي إلى مزيد من التوتر الطائفي والمجازر غير المبررة.
من جانب آخر، هناك أصوات من داخل الطائفة العلوية تطالب بحمايتهم وضمان حقوقهم، مؤكدين أن الإدارة الانتقالية لم تُظهر الجدية في مواجهة هذا الوضع، بل تسعى إلى إخفاء الحقائق وترويج روايات تتهمهم بالعمالة للنظام السابق. وقد طالب هؤلاء بتحديد المسؤولين عن هذه العمليات الانتقامية، وتقديم الأدلة على تورطهم في الجرائم، إذا كانت هناك أدلة حقيقية تدعم تلك الاتهامات.
في الواقع يبدو إن الوضع الراهن للطائفة العلوية في سوريا بات معقدًا بشكل متزايد، فبينما تدعي الإدارة الانتقالية أنه يتم استهداف العناصر المتورطة مع النظام، فإن الواقع على الأرض يشير إلى تصعيد طائفي قد يطال أبناء الطائفة العلوية بشكل جماعي. ومن الواضح أن التحدي الأكبر هو قدرة الإدارة المؤقتة على التعامل مع هذا الوضع المعقد والمتشابك، مع ضرورة وجود آليات واضحة للمحاسبة والحماية لجميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.