الإرهاب، تلك الكلمة التي تهزّ الأبدان عند سماعها، تُطلق اليوم في كل اتجاه: على جماعات مسلحة، على دول، على أفراد، بل وحتى على أفكار. لكنها – رغم خطورتها – تفتقر إلى تعريف واحد متفق عليه. فهل الإرهاب فعلٌ بذاته، أم هوية تُمنح بقرار سياسي؟ ومن يقرر متى يكون القتل مقاومة، ومتى يُصنف إرهابًا؟لا يمكن فهم الإرهاب إذا ركّزنا على “من ارتكب” الفعل، بل على “ما الذي ارتُكب”. إذا كان القتل يستهدف مدنيين لغرض سياسي أو أيديولوجي، فهو إرهاب، سواء ارتكبه متطرف ديني أو جنرال يرتدي بزّة رسمية. هذا المعيار الأخلاقي، للأسف، لا يحكم معظم التصنيفات العالمية اليوم.
نلسون مانديلا بقي على لائحة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008، رغم أنه أصبح رمزًا للسلام العالمي. في المقابل، تُصنّف حركات مقاومة فلسطينية بأنها إرهابية، بينما تُمنح الأنظمة التي تمارس حصارًا وتجويعًا وتقتيلاً للمدنيين الشرعية الكاملة. كيف يصبح المعيار إذن مقبولًا لدى الضحايا؟
في عالم تُكتب فيه القوائم السوداء بالحبر السياسي لا الأخلاقي، يبقى مفهوم الإرهاب رهينة المصالح لا المبادئ.

حين تُلقي طائرات ذكية قنابل على بيوت مدنيين، أو تُغتال شخصيات دون محاكمة، أو تُحاصر شعوب حتى الجوع، لا يُسمى ذلك إرهابًا، بل “أعمالاً دفاعية”. وهذا بحد ذاته شكل من أشكال التطبيع مع الجريمة، وشرعنة للعنف السياسي.

وسائل الإعلام الكبرى، خصوصًا في الغرب، كثيرًا ما تُستخدم لتعزيز الرواية الرسمية للدول الكبرى. فتتجاهل مجازر هنا، وتُضخّم حدثًا هناك، وتُعيد إنتاج القوالب الجاهزة حول “الإرهاب الإسلامي” دون فحص أو مساءلة.

ينبغي أن يُعاد تعريف الإرهاب استنادًا إلى معيار واضح: استهداف المدنيين من أجل أهداف سياسية، دينية، أو أيديولوجية، سواء أكان الفاعل فردًا، جماعة، أم دولة. دون هذا التعريف، ستبقى الكلمة سلاحًا في يد الأقوى، لا وصفًا لواقع مؤلم يجب إدانته بكل أشكاله.
طالما بقي تعريف الإرهاب مرهونًا بالسياسة، فسنعيش في عالم يمكن فيه وصف الضحية بالمجرم، والمجرم بالبطل. ولعل أهم خطوة نحو عدالة حقيقية، هي تفكيك هذا المفهوم من قبضة الحكومات، وإعادته إلى إنسانيته: لا أحد يملك الحق في قتل الأبرياء، أيًا كانت رايته أو لغته أو صلاته.